ادعمنا

مفهوم الدراسات الأمنية - Security Studies

نال حقل الدراسات الأمنية اهتمام الكثير من الباحثين في العلوم السياسية عامة والعلاقات الدولية حاصة، حيث يعتبر مفهوم الأمن من المفاهيم الجديدة التي استقطبت الباحثين والدارسين في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية، ولقد زاد الاهتمام أكثر بهذا المفهوم في فترة ما بعد الحرب الباردة، بسبب التحولات التي مست العلاقات الدولية وبروز متغيرات جديدة في النظام الدولي، مما أصبح لزاما على الأكاديميين والباحثين مسايرة التطورات الحاصلة على مستوى التفاعلات الدولية في بيئة أصبحت تتسم بالتعقيدات والديناميكية المتسارعة في ظل عولمة الظواهر السياسية والأمنية والاقتصادية.

 

أولا- تعريف الدراسات الأمنية:

إن الدراسات الأمنية كحقل معرفي تحاول فحص الأصول العميقة لتشكل الظاهرة الأمنية، وعليه فهي تعنى بفهم المسائل النظرية العامة كأسباب الحرب والأحلاف، كما تشتمل على الأبحاث الموجهة للسياسة والمتعلقة بمشاكل السياسة العسكرية التي تواجه الدول خاصة، فقد شكل العنف الدولي والتهديدات الخارجية لأمن الدول خصوصا أسباب الحرب والوقاية منها ومسائل الاستراتيجية مركز اهتمام الحقل المعرفي، بينما لاقى موضوع آثار الحرب اهتماما أقل، كما أن تحديد مدى ومجال الدراسات الأمنية بدقة شيء صعب المنال فقد أشار "ستيفن والت" إلى أن حدود الحقل الفكرية مائعة، وبالنتيجة فإن أي جهد لرسم وتحديد المجال الدقيق للدراسات الأمنية هو شيء تعسفي، ومع ذلك يبقى الاهتمام المركزي للدراسات الأمنية سهل التحديد: إنه ظاهرة الحرب، فالدراسات الأمنية تدعي أن الصراع بين الدول هو احتمال وارد دائما، وعليه يكون لاستخدام القوة آثارها بعيدة المدى على الدول والمجتمعات، ومن هذا المنطلق يمكن تعريف الدراسات الأمنية على أنها: "دراسة التهديد واستخدام ومراقبة القوة العسكرية"

وبذلك فالدراسات الأمنية تكشف عن الشروط التي تجعل استخدام القوة أكثر احتمالا، كما توضح الطرق التي يؤثر بها هذا الاستخدام على الأفراد والمجتمعات والدول، بالإضافة إلى كونها تكشف عن السياسة الخاصة التي تتبناها الدول لأجل التحضير أو الحماية أو الانخراط في الحرب..

وعليه تأسست الدراسات الأمنية على أنها ميدان فرعي للعلاقات الدولية يهتم بي "إيضاح مفهوم الأمن وتطبيقه في السياسة الخارجية وأثره على البنى والعمليات في السياسة العالمية".

وعليه الدراسات الأمنية هي ميدان فرعي للعلاقات الدولية يهتم بإيضاح مفهوم الأمن وتطبيقه في صنع السياسة الخارجية وأثره على البنى والعمليات في السياسة العالمية، في فترة الحرب الباردة كانت الدراسات الأمنية تعرف تعريفا ضيقا من منطلق مجالات قضايا الأمن العسكري، فكانت موغل نحو التوجه نحو السياسة، وكانت تتداخل إلى حد كبير مع الدراسات الإستراتيجية، وقد غير نظام ما بعد الحرب الباردة كل هذه الافتراضات ووسعت البنية أجندة الدراسات الأمنية لتتجاوز ما كان من شأن التقليديين أن يسموه "السياسة العليا" لتشمل ما يسمى "السياسة الدنيا" للاقتصاد و البيئة.

 

ثانيا- نشأة الدراسات الأمنية:

إن الدراسات الأمنیة كتخصص في حقل العلاقات الدولیة هو ولید فترة ما بعد نهایة الحرب العالمیة الثانیة أي خمسینات القرن العشرین، تحدیدا بعد اِ ندلاع الحرب الباردة بین المعسكرین الشرقي والغربي، أما مصطلح الأمن فقد تم تداوله في مختلف الأفكار والأدبیات السیاسیة عبر مختلف الحقب التاریخیة، فمنذ القرن الثاني عشر إلى غایة أواخر القرن العشرین اِرتبط مفهوم الأمن ارتباطا وثیقا بالجانب العسكري، فمعظم الدول تسعى جاهدة لتعظیم قوتها العسكریة لضمان أمنها وبقائها من كل التهدیدات المقصودة من محاولات لإخضاع خارجي أو تفویض لوجودها من طرف دولة أخرى أو تنظیما إرهابیا أو جماعات مسلحة أخرى، أما في منتصف الثمانینات وبدایة تسعینات القرن العشرین لم یعد مفهوم الأمن مقتصرا على مفهوم الدفاع على أراضي الدولة ضد الغزو الخارجي وحمایة الحدود والدفاع عن السیادة الوطنیة، بل تشعب مفهوم الأمن لیشمل جوانب أخرى وهي تحولات على مستوى القیم والإدراك والفاعلین... حيث ذهب "باري بوزان" في كتابه "المجتمع، الدولة، الخوف" إلى القول بأن الأمن لیس حكرا على أمن الدول فقط بل یجب أن یتعداها إلى أمن المجتمعات الإنسانیة، لأنه من غیر المعقول التركیز على الدولة كوحدة للتحلیل والتركیز على القدرات العسكریة كوسیلة لتحقیق الأمن، وقام بتقدیم دراسة تشمل عدة جوانب للأمن الإنساني، تضم الجانب العسكري، السیاسي، الاقتصادي، الاجتماعي والجانب البیئي... حيث مهدت التحولات والظروف الدولية في ظل الواقع الأمني الدولي إلى تطوير الدراسات الأمنية، ومن أهم هذه التحولات نجد: 

- سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الصراع بين الكتلتين الشيوعية والغربية الرأسمالية.

- التحولات الاقتصادية وتجلت في التوجه نحو بناء نماذج تنموية ترتكز على اقتصاد السوق والانفتاح على الخارج.

- التحولات القيمية (القيمة المضافة) التي برزت معها نظريات حاولت تقديم منظور جديد كنظرية السلام الديمقراطي، نظرية نهاية التاريخ، نظرية صدام الحضارات، والنظرية الكوسموبوليتانية.

- الانعكاسات السلبية للتصنيع على البيئة وظهور تحديات جديدة تهدد الوجود الإنساني، فهذه التحولات أفرزت لنا وضعًا أمنيا دوليًا جديدًا يختلف كما كان عليه في الستينيات والسبعينات، كما برزت العديد من المفارقات، ففي الوقت الذي بدأ تشكل تكتلات اقتصادية إقليمية كبرى مثل الاتحاد الأوروبي والآسيان، بدأت الدولة الوطنية تتعرض لمخاطر تفتتها من الداخل.

كما أنه لفترة طویلة ظل حجم التهدیدات ومدى المخاطر أثناء الحرب الباردة مركزا على الصفقات التي تضم دولاد تقلیدیة والتحالفات التي تقودها "نموذج وستفالیا"، لكن بعد 1990 أصبح تحلیل المشكلات الأمنیة وحلولها یتصدر الاهتمامات ویلقي الضوء على فواعل أخرى داخل الدولة  وخارجها
كالشركات متعددة الجنسیات والمنظمات الدولية وغیرها، واتسعت لتشمل الأبعاد الإنسانیة التنمویة، ولقد حدث هذا التحول لأسباب عدة أهمها:

- أن مشاكل الأمن لیست نفسها بالنسبة للدول المتطورة أو النامیة  وبالتالي تحلیل المشاكل لا یكون بنفس الطریقة.

- التهديد بالنسبة للدول یتطور وفقا للتحول في العنف ووفقا للمحیط الدولي، وولهذا كان الحدیث عن الأمن الطاقوي في السبعینیات وتغیر الحدیث بعد أحداث 11سبتمبر 2001.

- السلطات السیاسیة لم ترغب ولا ترید أن یكون تعریف الأمن ضیقا حتى لا تتحدد قدراتها أمام مواجهة الأخطار ضد أي مصلحة حیویة.

 

ثالثا- التطور التاريخي للدراسات الأمنية:

1- مرحلة الصعود:

بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت الدراسات الأمنيّة في الصعود مكتسبة شرعيتها من الحرب والكوارث التي خلفتها، لاسيما الأثر السلبي على المدنيين، فقد أكدت تلك النتائج أنّ الحرب جدّ مهمّةٍ للبشرية ولا ينبغي أن تترك خاضعة لخيارات "الجنرالات" فقط، وهو ما ساهم في تطوير الدراسات الأمنية التي تركزت في بداياتها أساسًا على الرهانات والمخاطر المتعلّقة باستخدام السلاح النوويّ، الأمر الذي شجّع الأبحاث في هذا المجال، حيث تمحورت النقاشات في بادئ الأمر حول عواقب استعمال الأسلحة بما فيها النووية، وأنتجت هذه النقاشات مجموعة دراساتٍ حول الردع، مخاطر التصعيد العسكري، مراقبة ونزع التسلّح ومسائل أخرى مماثلة،  فحسب ماك سويني، فإنّ الدراسات الأمنية في هذه الفترة كانت تتمّ ضمن مقاربةٍ ما بين تخصّصاتيةٍ وحتّى مواضيعها كانت جدّ متنوّعة، كما ارتبطت عموما بتيار النظرية السياسية التي طوّرت آنذاك مفهوم ”الأمن الجماعي“ بالإضافة إلى اعتمادها على مرجعيّة القانون الدولي، المؤسّسات الدّولية والنظرية السياسية، كما عانت هذه الدراسات في تلك الفترة من صعوبة الحصول على المعلومات، والتي كان يتعامل معها على أنــّها "سرّ دفاع"، ناهيك عن ارتباطها بوزارات الدفاع، مما أدّى غالبًا إلى أن يكون توجّهها عسكريًا بحتًا. ومن أشهر كتّاب ومفكّري هذه المرحلة نجد "هرز"، "وولفرزرايت" وآخرون...

2- مرحلة التراجــــــــع:

خلال الحرب الباردة، سيطر التفكير الأمنيّ الواقعيّ أساسًا على الدراسات الأمنية الذي قام على إمكانية حرب نووية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وقد مثّلت مفاهيم "الردع"، "الضربة الأولى" و"التدمير المتبادل الأكيد" جزءًا من معجم الواقعيين الأمني ، بالنتيجة، طوّر الباحثون دراسات ترتكز على تقنيات استنباطية تسعى إلى توقّع ما سيقرّره الطرف الآخر، مثل نظريات المباريات والردع، والتي ارتكزت على توازن القوى كأداة لتحقيق الأمن مثلما يتّضح من خلال نظرية الردع التي افترضت وجود عدو كامن وبحثت عن أفضل وسيلة لردعه، وفي الوقت الذي قبل فيه بعض الباحثين بالدّور الأساسي الذي يمكن أن تؤدّيه الإدراكات والاعتقادات في احتمال نشوب نزاعات مسلّحة "نظرية المباريات مثلا"، فإنّ أغلبية البحوث تركّزت على مسألة معرفة ما الذي يؤثّر في قرار "الضربة الأولى"، مهملة في الوقت ذاته مسألة الدبلوماسية والأصول السياسيّة والاقتصادية للصراع إنّ هذه المحدودية في جزء منها كانت نتيجة لتبني منهجية خاصة مرتبطة بمفهوم "الفاعل العقلاني"، والتي شكلت قاعدة نظريات الردع مهملة بذلك دور العوامل السيكولوجية، الاقتصادية، السياسية وغيرها التي تتدخل في تحديد الفعل السياسي، وكانت أكبر نتيجة لهذا التوجه عزل هذا المجال البحثي عن حقل العلاقات الدولية الذي ظل مجال بحثه متمحورا حول مسائل الحرب والسلم، ونتيجة للأسباب السابقة، دخلت الدراسات الأمنية في مرحلة تراجع منذ منتصف العقد السادس من القرن العشرين، وتعزّز هذا التراجع بعد التأكد من عدم صلاحية الإشكاليات المركزيّة لنظريات الردع، واعتزال غالبية الاستراتيجيين في الولايات المتّحدة الأمريكية.

3- مرحلة النهضـــــــــــــة:

بعد هذه الفترة من التراجع، أو كما يصفها "ستيفن والت" بـ"نهاية العصر الذهبي"  دخلت الدراسات الأمنية منذ منتصف سنوات السبعينيات في مرحلة انبعاث وصعود جديدين ارتبطت خاصّة بانتهاء حرب الفيتنام وظهور بعض المؤسسات العلمية المتخصّصة في دراسة الأمن، وتعزز هذا الصعود مطلع الثمانينيات أين حدثت مراجعات للمسلمات والمقاربات المسيطرة في نظريات العلاقات الدولية آنذاك وتتميز هذه المرحلة بالنجاح الملحوظ الذي شهدته مقاربات الاقتصاد السياسي الدولي ونظريات الاعتماد المتبادل، حيث يمكن تلخيص أهم التطورات الحاصلة أثناءها في ما يلي:

- سهولة الوصول إلى الأرشيف الأمني بالنسبة للباحثين ممّا ساعدهم على تقديم دراساتٍ قيّمةٍ تتعلّقُ بالأمن الوطني وتعديل البعض الآخر أو على الأقل، إظهار النقائص التي كانت تشوبه، فالحصول على المعلومة صار يسيرا مقارنة بفترة الستينيات.

- نهاية حرب الفيتنام  :1975أصبح سهلاً نسبيًا على الباحث أن يدرس هذه الحرب ومشكلاتها والأحداث التي وقعت خلالها وأن يفهم الأخطاء التي قادت إلى الهزيمة.

- إمكانية أكبر للباحثين لنشر أعمالهم بعد تأسيس مجلّة "وثائق ألدافي"  و "مجلة الدراسات الاستراتيجية"، وغيرهم... والتي شرعت في نشر مقالات تعالج مسائل الأمن.

- تشجيع الأبحاث في هذا المجال بدافع تطوير مقارباتٍ علميةٍ للتهديد واستخدام القوّة للدفاع عن مصالح الدّولة وتقوية ودعم أمنها، كما أعادت المؤسسات الأكاديمية دمج المجال الأمني ضمن مجالات أبحاثها، ومن ذلك تأسيس فرع مختص في مراقبة التسلح والأمن الدولي في الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية.

 

المصادر والمراجع:

غراهام ايفانز، وجيفري نوينهام،. قاموس بنغوين للعلاقات الدولية. دبي: ترجمة مركز الخليج للأبحاث، 2004.

صليحة كبابي، الدراسات الأمنية بين الاتجاهين التقليدي والحديث، "مجلة العلوم الانسانية"، ع38، ديسمبر 2012.

زكرياء بودن، "أثر التهديدات الإرهابية في شمال مالي على الامن الوطني الجزائري واستراتيجيات مواجهتها 2010_ 2014". جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص علاقات دولية ودراسات استراتيجية، 2015.

حسام حمزة، "الدوائر الجيوسياسية للأمن القومي الجزائري". جامع الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، تخصص علاقات دولية، 2011.

سليم قسوم، الاتجاهات الجديدة في الدراسات الأمنية: دراسة في تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية. الامرات العربية المتحدة: مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ب.س.ن.

حكيم غريب، "واقع الدراسات الأمنية وانعكاساتها على الترتيبات الأمنية الدولية الراهنة"، منشور عبر ساسة بوست، تم التصفح يوم: 2020/11/22 الساعة: 08:25.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia